ليس جميع من ينتمون لنوع الانسان مؤهلون لتحصيل نظرياتها خصوصا وأنهم معرضون للاستيلاب من اليومي والاديولوجي ومتغيارات أخرى قد تكون في مشملها ثقافية. لكن دور الفلسفة الأساسي (من وجهة نظري) هو تزويد الانسان "الحيوان" وبما له من استعداد قبلي (بيولوجي) بأواليات الاشتغال على الواقع ومع الواقع، في أبعاده المتعدد المتجاوزة للحدود التعسفية التي يقيمها فكر البعد الواحد، بين الحقيقي/ والوهمي، الواقعي/والمتخيل، المقدس/والدنيوي... هذه الأواليات يمكن تشبيهها بخلايا نائمة تنتظر تحفيزا خارجيا لتنشط وتتكاثر، كونها في الواقع معطى واستعداد بيوسيكولوجي قبلي ثاوي في بنية دماغ هذا الكائن الاكثر تطورا وتعقيدا مقارنة بأدمغة أفراد عائلته الباقون من القردة العليا وعالم الحيوان بصفة عامة.
إن دور الفلسفة هو تعزيز هذا التطور وتتويجه بعمليات ذهنية غاية في التعقيد تتمظهر في استعماله للغة ٱستعمالا فكريا تجريديا يؤثر في الواقع ويتأثر به. إن وظيفتها هي الخلق، خلق يتم عن طريق تحليل وتركيب عناصر بسيطة من الواقع المجرد بلغة طبيعية بسيطة ليصبح فكرا يعطي معاني مختلفة للوجود وعشوائته، وشرعية للحياة رغم محدوديتها وتفاهتها..
لكن هذا وغيره كما ذكرت لا يمكن أن يتم بغياب تحفيز واعمال تلك الميكانزمات التي يقوم عليها كل شيء في الفلسفة، وبها كذلك يمكن تقويض ونسف كل شيء حتى هذه السطور التي كُتبت؛ انها وبكل بساطة ; الشك، والدهشة، والسؤال. إن هذا الثالوث، هو ما تقوم عليه الفلسفة وهو ما تقصده (على الاقل من وجهة نظري) فعندما تستعمله ولا يستعملك، تكون في الواقع قد أخدت خطوات عظيمة في طريق الفلسفة، وهنا يتجلى عمق الفلسفة كونها تستدرجك لطريقها التي هي فيك وليست خارجك، والتي هي أنت وليس ما يجب ان تكون عليه، عكس حقول معرفية أخرى علمية و غير علمية تشترط فيك معايير محددة حتى تشهد لك باهليتك أو ٱعتناقك.
ان الفلسفة هي شك يتم داخل الذات وفي الذات، يوجهه سؤال حول موضوعات أنتجتها الطبيعة والثقافة، لكن هذا لا يحدث بمعزل عن الدهشة التي تطبع الذهن اليقض المتعجب من كثرة العناصر التي لا يجد لها معنى ويبقى يحاول الامساك بشيء ما، حتى يكتشف ان المعنى الاصيل هو أن يسأل في وقت تتوفر فيه الاجوبة، ويشك في وقت يسود فيه الايمان، ويندهش في وقت يبدو كل شيء فيه مألوفا.
في الواقع ليس غريبا أن يتهم هذا الفكر الذي يقوم على هذا الثالوث بزعزعة "النظام"، (بكل ما للكلمة من دلالات واسعة) خصوصا من طرف النظم التي تستمد شرعيتها من الكلمات وليس من الارادة الحرة للمجمع المتشكل من صنف هذا الانسان، الانسان العاقل.
كما ان الفكرانيات الدوغموية التسلطية الممارسة والمحترفة للعنف الرمزي المستعبد للانسان والتي لاتغدو تكون مجرد كلمات مشكلة لصور طوبوية غارقة في الأوهام تفرض بالقوة ادعائها وتقصي كل من يستعمل هذا الثالوث المدنس في اعتقادها بل وتعده سبب الانحلال والشر الذي طال وسيطول الانسان، في الوقت الذي كان هو وليس غيره سبب الرقي الحضاري والثقافي والخير الذي شهده ويشهده الانسان.
أختم بسؤال يؤرقني : هل يستأهل من لا يندهش، ولا يشك، ، ولا يسأل من وفي ذاته و وجوده ووجود كل هذه الاشياء الاخرى، هل يستأهل ان يدعى انسانا / حيوانا عاقلا ؟
محمد آيت عبو
16/01/2015
0 التعليقات:
إرسال تعليق