تقديم
قبل التطرق لموضوع الاتجاهات الاجتماعية نرى أنه لزام علينا، من الناحية المنهجية، أن نعرف بشيء من الإيجاز بعلم النفس الاجتماعي: مفهومه، اهتماماته ومناهجه الرئيسة، وإن كان موضوعنا يفرض علينا شدة الإيجاز وتناوله من مختلف زوايا المعالجة و النظر اعتبارا لكون ما يهمنا أساسا إنما التعريف الوجيز بعلم النفس الاجتماعي في مرحلة أولى دون الدخول في المتاهات الأكاديمية لأن غرضنا الأساس إنما هو تناول الاتجاهات في مرحلة ثانية اعتبارا لكونها تعتبر من بين أهم مباحث هذا العلم. كيف لا؟ وأنت " منذ أن تستيقظ في الصباح الباكر حتى تهجع لمخدعك في المساء، وسواء خرجت للعمل أو بقيت في المنزل، فأنت لا تستطيع أن تتحاشى مختلف المؤثرات الاجتماعية التي تحاول أن تغريك بتبني الكثير من الآراء و الأحكام أو الميول الجديدة (أو للتغيير من أحكام و ميول قديمة) نحو الكثير من الأشخاص والأشياء المحيطة". (1)
إن علاقتك بالعالم من حولك، والتأثير الذي يمارس عليك، يجعل منك تشكل اتجاهات معينة و تعيد تشكيل أخرى نظرا للمؤثرات التي تمارس عليك، وللترغيب و الترهيب الذي يمثل جوهر عملية تكوين الاتجاهات من قبل المؤسسات الاجتماعية و السياسية ومختلف الفاعلين: الإعلام، السلطة، المدرسة، رجال الدين... وغيرهم كثير. إن حضورك داخل العالم بهذا المعنى، إنما يأخذ شكل اتجاهات تحدد أفعالك و ردود أفعالك تجاه محيطك الصغير أو عالمك الكبير...
فما المقصود بعلم النفس الاجتماعي و كيف يمكن تقديمه للدارس غير المختص أو للطالب المبتدئ؟ ماهي الدلالة الاجتماعية للاتجاهات؟ ماطبيعتها وما هي وظيفتها و خصائصها؟ وما هي علاقة الاتجاهات بالأحكام الاجتماعية؟ وأي دور للعوامل الاجتماعية في تكوين الاتجاهات؟ وهل بالإمكان التغيير منها؟ وكيف تحدث المواجهة القوية للتغير الفعال عن سلوك الآخرين واتجاهاتهم؟ وأخيرا اخترنا طرح السؤال المتعلق بالمبادئ العامة التي تحكم الرأي على اختلاف تلك الاتجاهات؟
كانت هذه تساؤلات من بين أخرى... سنعمل على تقديم إجابات نسبية عنها لا ندعي فيها الإحاطة أو الشمول، نظرا لتشعب الموضوع الذي نتناوله، بقدر ما نذكر منذ البدء أن موضوعنا هذا نأمل من خلاله أن يمثل منطلقا للفهم و التحليل ومحفزا للبحث عن المزيد من المعرفة العلمية ذات الصلة بموضوعنا هذا في بطون الكتب التي ألفت خصيصا لهذا الغرض من قبل علماء النفس الاجتماعي.
علم النفس الاجتماعي، اهتمامه ومناهجه الرئيسة:
تثير دائما مشكلة التعريف نقاشا حادا بين العلماء والباحثين، نظرا لاختلاف التعاريف، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعلم من العلوم الإنسانية التي يلعب فيها موقع هذا الباحث أو ذاك وموقفه ومرجعيته دورا مؤثرا في تحديد التعريف وحصره (جدلية الذات والموضوع)، وفي نظرنا نرى أنه لفهم ماهية علم النفس الاجتماعي لابد من التطرق إلى مايفعله عالم النفس الاجتماعي أولا باعتبار ذلك يشكل مدخلا أساسيا لابد منه لفهم ماهية علم النفس الاجتماعي بناء على طبيعة موضوعاته ومايفعله ذوي الاختصاص...
"فمن خلال التدريب و الخبرة يتعلم عالم النفس الاجتماعي أن يرفع بصره عن الاهتمامات النفسية البحثة، و أن يشمل في منظوره المحيط الاجتماعي الذي يؤثر على تفكير الناس، و مشاعرهم، و سلوكهم، و تفاعلاتهم". (2)
" و بهذا المنظور الواسع يصبح عالم النفس الاجتماعي حساسا للطرق التي تتلون بها العمليات النفسية بالمؤثرات الاجتماعية المتعددة التي تسهم في تطوير و تشكيل الشخصية الإنسانية في صورتها النهائية، و لأنه يهتم بالأوضاع الاجتماعية و الثقافية للسلوك كما يهتم بالأفراد، فإنه يقوم بالملاحظات و يجري التجارب واضعا في اعتباره كل من الإطار الاجتماعي و الفرد، متحكما ما أمكن في تأثير الإطار الاجتماعي أو الشخصية لكي يفهم بطريقة أفضل كيف يتفاعلان في المواقف العادية... إن عالم النفس الاجتماعي ماهر بصفة خاصة في وصف وشرح التأثيرات النفسية للاتصال الاجتماعي و العملية الاجتماعية نفسها". (3)
"وكثيرا ما يشار إلى علم النفس الاجتماعي، في الواقع بأنه علم "الاجتماع المصغر"، أو الأنثروبولوجيا المصغرة، طالما أنه على المحلل أن يغض بصره عن المشكلات الكبرى لهذه الأنظمة... علم النفس الاجتماعي، إذن، ميدان يلتقي فيه الكثير من الاهتمامات و الأفكار و الحقائق. و قد نما هذا الفرع منذ الحرب العالمية الثانية نموا كبيرا إلى ان أًصبح اليوم أكثر الأبناء عافية في عائلة العلوم السلوكية". (4)
"إن الأفكار الساذجة مثل "الإنسان محب لذاته أساسا"، أو "كلما ازدادت معرفتك بشخص ما ازداد استحسانك له"، قد أصبحت الآن موضع تحد من علماء النفس الاجتماعيين، الذين يسألون هذه التساؤلات: "كيف استطاعت هذه القواعد أن تشق طريقها إلى بناء لغتنا؟". "إلى أي مدى نعمل و نحكم على أساس مثل هذه الأفكار؟"، "هل هي صادقة؟". و عند هذه النقطة من التحدي يمكننا أن نشعر بحدة بحماس علم النفس الاجتماعي الحديث ... وعندما نتطرق في الاختلافات الحادة في تفسير الطبيعة الاجتماعية للإنسان التي برزت عبر الأجيال، ندرك عظم الحاجة لاختبار صحتها". (5)
و قد تركت تلك المبادئ بصمتها على لغتنا اليومية...
"إن علماء النفس الاجتماعيين إذن، يعتبرون أن مهمتهم العلميةهي تحديد المبادئ البسيطة و الرئيسية، وكذلك تلك الأكثر تعقيدا، وأن ينشئوا طرقا مثمرة لاختبار صدقها، وأن يطوروا تفسيرات أكثر شمولا لطبيعة الإنسان الاجتماعية، أي تفسيرات مبنية على الحقائق التجريبية". (6)
ونلاحظ وجود اتجاهين اثنين لدراسة طبيعة الإنسان الاجتماعية لكل منهما طريقته المنهجية في التعاطي مع الظواهر والقضايا السيكوسوسيولوجية:
1)الاتجاه الأول: بالنسبة لهذا الاتجاه فإنه يشدد على ضرورةالاكتفاء بوصف أفعال الناس الملاحظة في الأطر الاجتماعية...
2) الاتجاه الثاني: هذا الاتجاه له تصور مغاير إذ ير أنه "على علماء النفس الاجتماعي أن يتعاملوا مع جوانب السلوك المعقد- الدوافع، الاتجاهات، القيم، أسلوب الإدراك... ليس من الممكن ملاحظة الاتجاهات أو الذرات مباشرة، ولكن يمكن قياس كل منها بطريقة غير مباشرة"... (7)
ختاما نشير إلى أن تعقد الظاهرة السيكوسوسيولوجية يفرض على الباحث أن يعمل على دراستها من مختلف الجوانب لذلك فإن الأصح هو الجمع بين هذين المنهجين في مقاربة شمولية...
الدلالة الاجتماعية للاتجاهات:
لفهم الدلالة الاجتماعية للاتجاه لابد من الإشارة إلى أن "كثيرا من المنبهات تفرض وجودها علينا بشكل غامر، سواء أكنا أطفالا، أم بالغين، رجالا أم نساء، رؤساء أم مرؤوسين دون استثناء... وحالما ننجح –أو ينجح الآخرون- في تشكيل اتجاهاتنا نحو الأشياء و الأشخاص تتحول تلك الاتجاهات إلى التأثير في سلوكنا وإلى دفعه في وجهات متسقة مع محتوى تلك الاتجاهات..." (8)
إن هذا التحول الذي ينتقل فيه الاتجاه باعتباره شعورا في ضمير الفرد وعقله إلى سلوك على أرض الواقع يعبر عن موقف ذلك الشخص تجاه قضية أو موضوع أو حدث... يدفعنا إلى طرح السؤال المتعلق" بالسن التي تبدأ فيها الاتجاهات في إظهارنفسها في السلوك؟ عملت مارجريت بركس مع الأطفال من الخامسة إلى الثامنة عشر كي تكون فكرة عن هذا السؤال: كيف ترى اليهود؟ وحللت إجاباتهم للبحث فيما يختص بالتحيز؟ وقد وجدت أنه في سن الخامسة لم يعبر أي منهم عن أي تحيز أو تمييز بينما عبر 27 في المائة منهم في سن العاشرة عن ذلك. وكان الأطفال بحلول العاشرة يبدون التمييز بوضوح باستبعاد الأطفال اليهود من جماعة أصدقائهم. (9)
إن هذا المثال إنما يعبر عن قوة حضور الأفكار في ضمير الفرد، وأن اتجاها معينا كاتجاه التحيز، إنما يتشكل كسلوك بفعل القوة الإجبارية للفكرة التي تشبع بها الفرد عن طريق تأثير المجتمع و مختلف المؤسسات التي تمارس تأثيرها على الإنسان... وأن تقدم المرء في السن و تعرضه لمختلف عمليات التنشئة والتربية يجعل منه تحت سلطة مجموع الأفكار و التقاليد و المعتقدات التي تحدد أفعاله وردود أفعاله تجاه الآخرين سواء تعلق الأمر بموضوعات أو أشخاص أو قوميات معينة...
طبيعة الاتجاهات:
يعرف الاتجاه بأنه "أسلوب منظم متسق في التفكير والشعور ورد الفعل تجاه الناس والجماعات والقضايا الاجتماعية، أو تجاه أي حدث في البيئة بصورة عامة والمكونات الرئيسية للاتجاهات هي الأفكار، والمعتقدات والمشاعر أو الانفعالات، والنزعات إلى رد الفعل. ويمكننا القول بأن الاتجاه قد يتشكل عندما تترابط هذه المكونات إلى حد أن ترتبط هذه المشاعر المحددة والنزعات إلى رد الفعل بصورة متسقة مع موضوع الاتجاه." (10)
"وتنشأ اتجاهاتنا خلال التفاعل مع بيئاتنا الاجتماعية والتوافق معها. يمكن أن تتبدل الاتجاهات في البداية غير أن تغييرها مع مرور الوقت تصبح أكثر صعوبة بالنظر إلى أنها تصبح تلقائية وعفوية... لسنا على وعي كامل بكل اتجاهاتنا ولا نعي التأثير الضخم الذي تمارسه على سلوكنا الاجتماعي." (11)
"الاتجاهات التي نكونها تحدد موقفنا من مختلف الظواهر و القضايا... و غالبا ما يتوقف النجاح في التفاعل الاجتماعي على مهارة الفرد في استنتاج أفكار، ومشاعر، ونزعات رد الفعل عند الآخرين، وذلك من خلال إشارات سلوكية دقيقة...ومن الخواص الإنسانية الشائعة أن نكون الاستنتاجات عن اتجاهات الآخرين ثم ننظم تصرفاتنا وفقا لها."(12)
وظيفة الاتجاهات:
تقوم الاتجاهات الاجتماعية بمجموعة من الوظائف التي يتحقق من خلالها البعد الاجتماعي للإنسان، كما أنها تؤثر على وعيه بذاته ورؤيته للعالم، وتقوم الاتجاهات بالوظائف التالية:
1) تؤثر في أحكامنا وإدراكنا للآخرين...
2) تؤثر على سرعة وكفاءة تعلمنا...
3) تساعد في تحديد الجماعات التي نرتبط بها والمهن التي نختارها...
4) تحديد الفلسفة التي نعيش بها...
خصائص الاتجاهات:
الاتجاه فيما يراه علماء النفس يعبر عن وجود ميل إلى الشعور، أو السلوك أو التفكير بطريقة محددة إزاء أناس آخرين، أو منظمات أو موضوعات، أو رموز. فعندما نتحدث عن ضرورة وجود اتجاه قومي مثلا نقصد بشكل عام الإشارة إلى ضرورة أن تتكون لدينا مشاعر الحب والتقبل لقوميتنا، وأن نسلك بيننا وبين أنفسنا ومع الآخرين بصورة ملائمة لهذا الحب القومي.
الاتجاه ذو بناء مركب ويتكون من عناصر ثلاثة هي: الشعور، والتفكير، والسلوك.
يتعلق الجانب الشعوري أو الوجداني بما يظهره الفرد نحو موضوع الاتجاه من إقبال، أو إحجام، أو تحبيذ أو نفور، أو حب أو كراهية.
"أما الجانب الفكري، أو المعرفي فهو يشير ببساطة إلى مجموع الأفكار والمعتقدات والحجج التي يتقبلها الشخص نحو موضوع الاتجاه."(13)
على أن من اخطر جوانب الاتجاه، ذلك الجانب المتعلق بالسلوك: أي الوقوع و التورط في سلوك ظاهر نحو موضوع الاتجاه. (14)
في واقع الأم فإن أشكال التعبير عن هذه الاتجاهات و تتفاوت خطورتها...
وفضلا عن هذا، فإن ترجمة الاتجاه إلى سلوك ظاهر يحول موضوع الاتجاه على المدى الطويل إلى التصرف بطريقة تتفق مع محتوى الاتجاه. "فإذا حاولت مثلا أن تظهر الشك في كفاءة ما يفعله أعضاء أقلية معينة، فإن سلوك أفراد هذه الأقلية سينتهي تدريجيا بهم إلى الإحساس بالنقص وعدم الكفاءة فيما يقومون به من أفعال." (15)
و هذا ما يطلق عليه اسم ظاهرة تحقق النبوءة (البورت)
"... الزنوج في أمريكا يتصرفون أحيانا بطريقة تتلاءم مع توقعات المجتمع نحوهم، كذلك تنظر المرأة إلى نفسها على أنها أقل ذكاء من الرجل، ربما كتحقيق للتوقعات الاجتماعية التي تراها كذلك." (16)
وهذا ما ينطبق كذلك على المرأة التي " تعلمت أن ترى الشيء الذي تفعله امرأة مثلها أقل أهمية مما يفعله الرجل محققة بذلك التوقعات الاجتماعية السائدة عنها بأنها أقل أهمية وشأنا من الرجل...والجدير بالملاحظ أن" رفض الذات، والتهوين من شأنها قد يكون نتيجة جانبية للرفض الذي يظهره الأخرون..." (17)
قياس الاتجاهات:
- من الصعب تحديد درجة ثبات مقياس ما نظرا لتغير الناس وكذا اتجاهاتهم ...
- ليس من الممكن إجراء قياس مباشر للعمليات النفسية المعقدة من خلال الاتجاهات...
- تتطلب الاستنتاجات غير المباشرة عن الاتجاهات اختبارا دقيقا للصدق- غير أن مقاييس الاتجاه لابد وأن تقيس بالفعل ما يفترض أن تقيسه وليس أي عملية نفسية أخرى.(18)
طرق القياس:
إن الحصول على معلومات من خلال مواقف اجتماعية مرتبة خصيصا لذلك عن طريق الملاحظة المباشرة(يستغرق الوقت) لذلك تم الاعتماد على إجراءات بديلة قادرة على تحقيق الفعالية والنجاعة نذكر منها:
( إجراءات بديلة: )
يطلب من المشتركين تخيل مواقف اجتماعية ويطلب منهم إعطاء معلومات عن أفكارهم ومشاعرهم وطرق تصرفهم...
يتم كذلك الاعتماد على الاستبيان أو استطلاعات الرأي العام...إلخ
في المجتمع الكندي مثلا كان قدماء الكنديين في موقف مريح مما دفعهم إلى إعطاء موقف إيجابي من المهاجرين وقيمتهم الضرورية للأمة ككل، في الوقت الذي يبدي فيه الكنديون الذين ينحدرون من الطبقة المتوسطة اتجاهات عنصرية وتحيزا اتجاه المهاجرين نظرا لأضاعهم الاجتماعية ولمنافستهم لهم على الوظائف وعلى الاستفادة من مختلف فرص الحياة...
دور العوامل الاجتماعية في تكوين الاتجاهات من خلال نموذج الشخصية التسلطية:
تلعب مختلف العوامل الاجتماعية دورا مؤثرا في تكوين الاتجاهات عند الأفراد، ولفهم هذا التأثير الذي تمارسه العوامل الاجتماعية سنأخذ نموذج الشخصية التسلطية، إن الشخصية التسلطية تتميز بالجمود والتصلب إذ أنها تؤمن بالمطلق، ثابتة في أحوالها تفرض رأيها وإن كان خاطئا، وتتشبث بالوهم وإن ظهر لها زيف ما تتبناه، عدوانية ومتعالية مصابة بالغرور، محبة للقوة وتسعى إليها بشكل دائم وتشكل ممارستها لها آفة حقيقية، خاضعة للأفكار والتقاليد خضوعا أعمى ومهملة لفاعلية الإنسان ولقدرته على صناعة التاريخ...
فماهو دور العوامل الاجتماعية في تشكيل الاتجاهات التسلطية؟
إن تشكيل الاتجاهات التسلطية داخل المجتمع يعزى أساسا إلى:
- وجود إحساس اجتماعي عام بالسخط ، والشك العام بين أفراد مجتمع معين بأن معاييرهم التي يتعاملون وفقا لها لا تمنحهم ما يصبون إليه من طموحات أو إشباعات أو استقرار.
- وجود فساد حقيقي أو ضعف في السلطة الحاكمة، مما يجعل الناس متشوقين للبحث عن بديل... (19)
- الأساليب التي تستخدمها الأسرة في تنشئة الأطفال...
- الدور الاجتماعي للفرد. فالمدرسون أكثر تسلطية من التلاميذ، والمسنون أكثر تسلطية من الصغار والشباب، والنساء يبدين ميولا تسلطية (خاصة في اتجاه المحافظة) أكثر من الذكور...
هل بالإمكان التغيير من الاتجاه؟
والسؤال المطروح الآن كيف يؤثر الآخرون في اتجاهاتنا؟ وما الذي يجعلنا نخضع للإغراءات أو للضغوط الخارجية فنتقبل أحيانا ما تبثه من اتجاهات ونرفض في أحيان أخرى هذا رفضا قاطعا؟ بعبارة أخرى، ما هي أفضل الشروط التي يمكن لنا في ظلها أن نقبل على شراء سلعة، أو نقبل فكرة سياسية، أو نظرية في الأدب والفن... إلخ؟ (20)
في وسعنا أن نحدد ثلاثة متغيرات تعتبر -أكثر من غيرها- ذات وزن كبير من حيث التأثير في القرارات التي نتخذها في اتجاه قبول هذا الاتجاه أو رفض ذاك:
1) محتوى الاتجاه.
2) مصدر الرسالة.
3) طبيعة الشخص المستقبل لما تتضمنه الرسالة.
مصدر الإقناع ( أو مصدر الرسالة)
يلعب مصدر الرسالة دورا بارزا في دفع المرء لتبني هذا الاتجاه أو النفور من ذاك، ويتجلى تأثير مصدر الإقناع في أن:
- الرسالة الواحدة يختلف تأثيرها باختلاف قائلها...
- تتصارع الجاذبية والغيرة أحيانا... ولا تعني الجاذبية أن يكون الشخص كامل المظهر أو الهيئة، وناجحا نجاحا مطلقا في كل التصرفات. إن الدراسات تبين على العكس من هذا أن جاذبية الشخص تزداد أحيانا إذا كان به نقص أو عندما يصدر عنه خطأ ما.(21)
- وهناك عوامل تتعلق بشخصية المصدر كمهارته الاجتماعية في الحكم على المستمعين، وقدرته على ضبط حالته المزاجية، وقدرته على أن يثير مستمعيه إثارة انفعالية ويزيد من اهتمامهم وحماسهم... وبالرغم من أن النجاح في التأثير على المستمعين يتطلب قدرا كبيرا من التلاعب في انفعالاتهم ومشاعرهم فإنه من الضروري أن يكون الشخص قادرا على إثبات إخلاصه وإيمانه بالجماعة وقضاياها.
خصائص الرسالة، أو محتوى ما يقال و خصائصه:
- لابد من أن يكون المحتوى مقنعا ولا يتعارض مع المنطق و الفعل...
- يجب أن تكون الرسالة مفهومة...
- ولطريقة تقديم الرسالة تأثيرها أيضا...
- التأثير يرتبط دائما بطريقة تقديم الفكرة والوقت والمكان الملائمين...
خصائص المستمعين:
- وهنا يجب الاهتمام بالخصائص الشخصية واتجاهات المستمعين وميولهم... وأغلب الظن أن خطبة واحدة من شخص واحد عن تحرير المرأة مثلا ستؤدي إلى أثر مختلف بين مجموعة من النساء مؤمنة بتحرير المرأة عما لو ألقيت على جماعة دينية في مسجد. إ و عن 242
- إن الذين يمتلكهم الإحساس بالنقص وعدم الثقة والعجز عن تأكيد الذات غالبا ما يسهل تغيير اتجاهاتهم... (22)
- عندما يجد المستمع نفسه عاجزا عن استيعاب الموضوع فإنه يجد نفسه مدفوعا إلى الاقتناع بمن يعتقد أنه على دراية و ثقة بالموضوع...
- يميل بعض الأشخاص لتقبل التغيير إن كان يمثل رأي الأغلبية، وتسمى هذه الظاهرة: مسايرة القطيع وهي تظهر فيما يبديه الأشخاص من ميل نحو الانصياع لما تتفق عليه الأغلبية... (23)
- يلعب الاتجاه السابق للمستمع نصيبا وافرا في مدى اقتناعه بالاتجاهات الجديدة، أو ما تحمله رسالة معينة... أما الشخص الذي يحمل منذ البداية اتجاها معارضا ومتطرفا فإن تأثره يكون أقل ومحدودا ... (24)
المواجهة القوية للتغير الفعال من سلوك الآخرين واتجاهاتهم:
- تحتاج الأعمال المهنية لكثيرين إلى مواجهة الناس والبحث عن أساليب للتأثير فيهم...
- عدد كبير من الزعماء استطاعوا التأثير في شعوبهم نظرا للموهبة الفذة في التأثير عليهم خلال مواقف المواجهة...
المبادئ العامة التي تحكم الرأي وتساعد على تغيير الاتجاه عند المواجهة العامة:
1)الإعداد للقاء أو التخطيط للمواجهة.
2)الاحتكاك الأولي بالجمهور.
3)التفاعل المباشر أثناء اللقاء.
4)تحقيق التأييد وإنهاء اللقاء.
الحاجات الضرورية التي تساعد على ترسيخ الاتجاه:
1) الحاجة إلى وضوح المعرفة...
2) الحاجة إلى أن يكون الشخص مقبولا من الآخرين...
3) الحاجة لحماية النفس من الأفكار الأخرى...
شروط تحقيق الاقتناع:
1)التشابه بين المتكلم والجمهور...
2)تعتبر المصداقية شرطا من شروط إقناع الناس...المصداقية تعني الخبرة... وتعتمد أيضا المصداقية على قدرة المتحدث على:
أ- إبراز تضحياته...
ب- أن يكون من يقدمه شخصا محترما...
ج- التقليل من الأساليب التحكمية...
د- البدء بالموافقة على ما يريد الجمهور أن يستمع له أولا وينتقل تدريجيا إلى الفكرة الرئيسية...
هـ- تزداد إمكانيات الإقناع عندما يبدأ المتكلم بالحصول على انصياع مبدئي من الجمهور...
و- تأثير الجاذبية...
خاتمة:
حاولنا بإيجاز شديد أن نعرض لموضوع الاتجاهات الاجتماعية و مختلف الجوانب المتعلقة به، فكان لابد من تحديد ماهية الاتجاهات التي يمكن تعريفها بأنها مجموع المشاعر و الأفكارالمكتسبة عن طريق المؤسسات السياسية والاجتماعية والتنشئوية... المتعلقة بموضوع أو قضية معينة والتي تحدد موقف الإنسان وأفعاله وردود أفعاله تجاه هذا الموضوع أو ذاك أم هذه القضية أو تلك... لتتحول إلى سلوكيات قد تأخذ طابعا إيجابيا أم سلبيا...
ولابد من الإشارة إلى أن الاتجاهات حاضرة في حياتنا اليومية في كل وقت وحين وما سلوكياتنا إلا تعبير عن اتجاهاتنا التي تشكلت ويعاد تشكيلها بمرور الوقت... وفقا لمدى تسليمنا بالاتجاهات التي كوناها أو رغبتنا انطلاقا من معارفنا في تكوين أخرى تجاه المحيط والعالم الذي يحف بنا من كل جانب...
المراجع:
(1) الإنسان وعلم النفس، عبد الستار إبراهيم، عالم المعرفة، فبراير، 1985، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص229
(2) علم النفس الاجتماعي، ويليم و.لامبرت، وولاس إ. لامبرت، ترجمة سلوى الملا، دار الشروق، الطبعة الثانية، 1993، القاهرة، مصر، ص 15
(3) نفس المرجع، ص 16
(4) نفس المرجع، ص 17
(5) نفس المرجع، ص 18
(6) نفس المرجع، ص 20
(7) نفس المرجع، ص 22
(8) الإنسان وعلم النفس، ص 230
(9) علم النفس الاجتماعي، ص 112
(10) نفس المرجع، ص 113
(11) نفس المرجع، ص 114
(12) الإنسان وعلم النفس، ص 115
(13) نفس المرجع، ص 231
(14) نفس المرجع، ص 233
(15) نفس المرجع، ص 233
(16) نفس المرجع، ص 234
(17) نفس المرجع، ص 235
(18) علم النفس الاجتماعي، ص 116
(19) الإنسان وعلم النفس، ص 236
(20) الإنسان وعلم النفس، ص 239
(21) نفس المرجع، ص 240
(22) نفس المرجع، ص 242
(23) نفس المرجع، ص 244
(24) نفس المرجع، ص 244
السلام عليكم هل من مراجع عند الاتجاهات الاجتماعية بالضبط
ردحذف