العلاقة بين الدّين والفلسفة :
هناك تقاطع بين الدّين والفلسفة في مسألة ذات أهمية قصوى عند الانسان. فهذا الكائن المتميز بخاصية الوعي، يدرك بشكل قبلي محدوديته في الزمان والمكان، التي تتجلى بشكل صارخ في ظاهرة الموت. وعيه هذا بأنه سيموت، وأن وجوده مؤقت، يجعله يطرح أسئلة ذات طابع وجودي محض، حاول ولا يزال يحاول أن يجد لها أجوبة تقيم حدّا بصفة نسبية لقلقه الناتج عن تواجده في عالم لا يعرف طبيعته، ولا أين يذهب به، أو لماذا هو متواجد فيه ؟
إن الدّين والفلسفة، يحاولان أن يجيبا على هذه الاسئلة الوجودية، بطريقتين مختلفتين جدريا بحثا عن الخلاص من الألم، من الجهل، من الموت، من أشكال الاستيلاب والرضوخ لقهر الطبيعة في بعدها المادي وماواراء المادي (الميتافزيقي).
يقدم الدّين نفسه على أساس أنه ذلك المخلص للانسان، من أهوال هذا الوجود في بعده الطبيعي وماواء الطبيعي. بحيث يعلنها صراحة لأتباعه أنه قادر أن يضمن لهم السعادة في حياتهم، والخلود بعد موتهم.
إن الدّين لا يخفي حسمه في هذه المسألة، و قناعته بأنه هو وحده القادر على ضمان الخلاص للانسان .بل إن الدّيانات بكل تنوعاتها واختلافاتها تحمل في جوهرها فكرة واحدة، وهي أن يؤمن انسان بما جاء به إنسان آخر إليه، ألهمته قوى غيبية، فوق طبيعية، خارقة... برسالة وجب أن يوصلها له بأسلوب الترغيب والترهيب، مع ضرورة إلزام المرسل إليه بمحتواها المتضمن لنسق من الظوابط التي تعمل على تشكيل وعيه وتنميط سلوكاته.
أما الفلسفة فهي لا تؤمن، بل تشك. تشك في الآخر و خطابه ولو ٱدعى أنه قام باتصال مباشر أو غير مباشر مع الآلهة. فالفيلسوف حينما يتفلسف يكون تفلسفه موجها لهدم جميع الأنساق الفكرية التي سبقته لأنها ليست ما يحقق له ذلك الاكتفاء المعرفي والوجداني الذي يحد من قلقه. فتجده يوجه السؤال، والشك، والنقد لكل ما يمكن أن يغريه بتبنى موقف فلسفي وجودي لم يشارك في بناءه. وحتى إن اقتنع بما جاء به الآخر، تجده يأخذ الجزء ولا يستدمج الكل في تصوره الكلي للوجود، وكيفية تحقيق خلاصه. لهذا السبب وغيره، نجد الفلسفة أكثر الحقول المعرفية تنوعا واختلافا. تختلف من فيلسوف لآخر، ومن حقبة زمنية لأخرى. وهذا راجع كما ذكرت كون أن كل فيلسوف يحاول بنفسه (وليس بواسطة الآخر) أن يبني حقيقته، سعادته، خلاصه الخاص .
فالعلاقة بين الدّين والفلسفة هي في الواقع علاقة صراع حتمي، تفرضه السبل المختلفة لكل منهما في تحقيق هذه الغاية السامية، خلاص الانسان.
لكن ! قد يقول قائل ماذا عن الفلسفة المسيحية والفلسفة الاسلامية ؟
أليست هذه فلسفات ؟
الإجابة على السؤال نجدها في تاريخ هذه "الفلسفات" وفي الصراعات الثاوية في المتغيرات الموضوعية التي كانت في تلك الاحقاب. فالمسيحيون لم يتفلسفوا، بل تعاملو مع الفلسفة بسلوك انتقائي خدم مصلحة دينهم، في وقت كان يصعب على ثقافات أخرى أن تتثاقف مع المعتقد المسيحي، والامر سيان عند المسلمين. هذا الأمر جعل الفلسفة في مرتبة ثانية أو لنقل خادمة للدّين. في حين أنها لا ترضى سوى أن تكون سيدة، لأنها ترى في نفسها صاحبة الشرعية والاهلية في تعليم الحياة، وتربع عرش سلم التراتبية القيمية داخل بنية الانسان الفكرية والاجتماعية .
ان الفكرة الاساس التي بني عليها هدا الطرح، هي حقيقة تتجلى, لان فطرة الانسان تحثه على فرض سؤال جوهري يتعلق بالوجود، وما المؤشرات التي دكرتموها الا دليل على هدا. ان هده الاشكالية هي مسالة خطابات، فالفلسفة لا احد ينكر ان هي اصل السؤال، وما اسئلتها الا طرح يستجسد في كا فرد. ان مشكلة الخطابات، وهنا اقصد الخطابات الدينية، وبالاخص المسيحية لعرض فكرة، ان ما تستعمله المسيحية هو محاولة الابقاء على مصالح من يتاجرون بالدين ويستخدمونه لمصالح موجهة، لهدا تجد طرح فكرة الخلاص. ومن جانب ثاني هناك الخطاب الاسلامي (الدي يتبناه افراد) يعرض فكرة الايمان بعدم التفكير في ما وراء الطبيعة. ان هدا الامر الدي جسده الامام ابو حامد الغزالي حينما حرم الفلسفة والرياضيات، شكل علامة فارقة وموجهة للتفكير الوجودي، مما ادى الى قمع الفكر الوجودي. وان هدا المر هو ما جعل الصراع بين الدين والفلسفة والعلم يتاجج. ان الدين الاسلامي لما جاء، احتوى على فكرة ان هناك قوم يعقلون اي يتسائلون، ومن هدا نلحظ الايات التي توجه الخطاب لمتبني السؤال الشكي والعلمي. فما يتضمنه الخطاب الالهي من محاولة الاجابة وتقديم دلك الخيط او النقطة الاولى للبحث، قطع معه المتدينون, وهدا اشكال خاطئ اذ لابد عليك ان تجيب من يسال بالبراهين المنطقية. خلاصة الام<ر اد كان من يدعي للدين يقطع الطريف ام فرض السؤال، فهو لم يفهم اصلا الدين.
ردحذف