الأربعاء، 16 أبريل 2014

مفاهيم سوسيولوجية حديثة: (1) صورة الجسد

حسني إبراهيم عبد العظيم

يتضمن المعجم السوسيولوجي المعاصر جملة من المفاهيم الجديدة التي لم تكن مطروحة في التراث الكلاسيكي، وتعكس هذه المفاهيم مدى تطور الدرس السوسيولوجي وارتياده لآفاق معرفية جديدة، وإيمانا من كاتب هذه السطور بأهمية المعرفة السوسيولوجية وضرورتها أيضا، فسوف يقدم إسهاما متواضعا يتضمن عرضا موجزا – على مدار حلقات - لبعض المفاهيم الحديثة في القاموس السوسيولوجي. وسوف يحرص الكاتب على تنوع هذه المفاهيم بحيث تعكس التطور الفكري لعلم الاجتماع، وعلى اعتبار أن سوسيولوجيا الجسد يمثل أحد النظم المعرفية الجديدة والواعدة في البحث السوسيولوجي فسيكون انطلاقنا منها في عرض المفاهيم.
صورة الجسد: Body Image

شغل الجسد الإنساني موقعاً متميزاً في جدل النظرية الاجتماعية على مدار العقدين الأخيرين، وذلك من خلال الأطروحات والمناقشات الواسعة التي قدمتها المداخل المتنوعة في النظرية الاجتماعية (Wilkin 2008: 35) فثمة احتفاء بالجسد باعتباره مفهوماً نابضاً Animating Concept من جهة، وحاضراً فعلياً في إطار الحداثة الراهنة من جهة أخرى، فهو يحتل مكانة عالية في تلك الحداثة، كما أنه يمثل مفتاحاً مهماً في تفسيراتها، فنحن نحتاج فقط أن نتأمل تلك الحقائق شديدة الوضوح المتعلقة بالخبرة الجسدية Bodily experience - والحقيقة أن كل خبرة هي خبرة جسدية بالضرورة - لنكون على وعي بالسمة الحقيقية للحياة المعاصرة. (Ferguson 1997: 1) ونتيجة لذلك فقد اتجهت العلوم الاجتماعية – والإنسانيات أيضاً- خلال العقود الأخيرة بشكل متزايد نحو استكشاف Exploration إشكالية الجسد في الحياة الاجتماعية؛ وذلك من أجل فهم تعقد مسارنا وتواصلنا التاريخي الإنساني. (Turner 1992: 31)

إن الجسد –كما يستخدم في المجال السوسيولوجي- لا يقصد به الجسد في خصائصه البيولوجية أو الفسيولوجية، أي مجموعة من الأعضاء والمهام المتراصة في تركيب طبيعي حسب قانون علم التشريح، وإنما يقصد به الجسد كمنتوج اجتماعي، كبناء اجتماعي- ثقافي، مجال تمثلات ومخيالات، أي الجسد في مظاهره وتعبيراته الخارجية الرمزية المكتسبة، المعبرة عن ثقافة الجماعة التي ينتمي إليها حامله. إن الجسد الطبيعي يختفي وراء شبكة من الرموز والطقوس والعلامات تبرزه على الواجهة الاجتماعية. (زينب المعادي 2004: 15)

إن التحليل السوسيولوجي الأنثروبولوجي المعاصر للجسد يميل إلى تجاهل العمليات «المادية» للجسد، باعتبار أن هذه العمليات تقع خارج دائرة اهتمام العلوم الاجتماعية، ويحاول الخطاب السوسيولوجي والأنثروبولوجي أن يعطي الأولية للطرق التي يصبح من خلالها الجسد موضوعاً للخطاب الرمزي. (Lyon 1997: 83) فالمقاربة السوسيولوجية الأنثروبولوجية لا تتعاطى مع الجسد باعتبارة كيانا عضويا فقط، وإنما باعتبارة بنية اجتماعية – ثقافية، وهو مايعرف بصورة الجسد.

يعرف معجم التراث الأمريكي The American Heritage Dictionary في طبعته الرابعة الصادرة عام 2000 "صورة الجسد" Body Image بأنها التصور الذاتي للفرد عن مظهره العضوي مرتكزا في هذا التصور على ملاحظته الذاتية ووجهة نظر الآخرين. وفي التراث العلمي تعد صورة الجسد مفهوما متعدد الأبعاد يتضمن الإدراك الذاتي للفرد واتجاهاته حيال مظهره العضوي، ويشمل أيضا الأبعاد المعرفية والسلوكية والوجدانية والتصورية. (Friedman& Martinez 2008:500)

ويستخدم مصطلح «صورة الجسد» لوصف كل الطرق التي يكون بها الفرد مفهوماً عن جسده، ويشعر به سواء بوعي أو بدون وعي، ويتضمن ذلك أحاسيس الفرد وتخيلاته عن جسده، بالإضافة إلى الأسلوب الذي يتعلم الشخص من خلاله تنظيم وتكامل خبراته الجسدية، ومن ثم فإن صورة الجسد هي شيء يكتسب بواسطة الشخص في جماعة أو مجتمع معين وذلك على الرغم من وجود اختلافات في هذه الصورة داخل المجتمع الواحد. (نجلاء خليل 2006: 222)

إن صورة الجسد ليست إلا الجسد كما يُرى، وكما يبدو في المجتمع، إنها انعكاس له، لكنها ليست الجسد ذاته، هي شيء أكبر من الجسد، أي أكبر من تلك البنية الفسيولوجية المترابطة، إن ثمة ترابط بين الجسد وصورته، وصورة الجسد هي أمر جوهري بالنسبة للجسد، بحيث لا يمكن فهم الجسد دون تلك الصورة التي يبدو عليها في الواقع، ولهذا؛ فإننا نصنع لأنفسنا صورة لكيفية ظهورنا للآخرين، إن صورة الجسد هي بنية عقلية Mental Construct لمظهرنا في المجتمع. (Ferguson 1997: 5-6)

يتبين إذن أن صورة الجسد هي مفهوم عقلي يعكس رؤية المجتمع للجسد، أي كيف يبدو الجسد ويظهر لأفراد المجتمع، وبمعنى آخر تعني الإنتاج الاجتماعي للجسد، فالجسد يتم إنتاجه اجتماعياً Socially produced ويتم تشكيله ثقافياً Culturally constructed. فعلى الرغم من أن الكيان العضوي للجسد متشابه بنائياً ووظيفياً لدى كل البشر، إلا أن القيم والمعتقدات والممارسات المرتبطة به تتباين تبعاً لتباين البنى الاجتماعية والنظم الثقافية للمجتمعات الإنسانية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق